الثقافةصفحات من تاريخ مصر

** حي باكوس **

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم المهندس/ طارق بدراوى

 

حي باكوس حي شعبي يقع في مدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصر وهذا الحي يعد أحد أعرق وأقدم الأحياء بالإسكندرية وهو يقع بمنتصفها تقريبا ويعتقد أن التسمية نسبت إلى باكوس أو باخوس إله الخمر عند الإغريق والرومان والذين كانوا يسكنون الحى بكثرة خلال العصر البطلمي والعصر الروماني في حين يقول آخرون إن محطة باكوس ومحطة شوتس ينسب إسماهما إلى الشخصين اللذين قاما بمد شريط ترام الإسكندرية من محطة الرمل والأزاريطة ويتفرع منه خط يصل إلي حي باكوس الحالي وليصل في نهايته إلى كلية فيكتوريا وليس كما يظن البعض نسبة لسكن اليونانيين بالحي لأن معظم اليونانيين والأوربيين عموما كانوا يسكنون قريبا من شاطيء البحر ويظهر هذا في الأبنية الموجودة في منطقتي زيزينيا وسان ستيفانو وكان حي باكوس في السابق قبل التأميم به كثير من الجاليات الأرمينية واليونانية إلا ان التقدم العمراني بهذا الحي وإختلاف تركيبته السكانية وأحداث ثورة عام 1952م وماتلاها من أحداث وتغيرات في المجتمع محت الكثير من قصوره حيث بنيت محلها عمارات متعددة الطوابق كما هجرته الجاليات الأجنبية المذكورة التي كانت تسكنه وإن كانت بعض العقارات القديمة مازالت قائمة به مثل مدرسة عبد العزيز جاويش بداخل أحد القصور القديمة …..
هذا وتتداخل منطقة باكوس مع عدد من المناطق المجاورة مثل جليم وزيزينيا شمالا وفلمنج والظاهرية غربا وجاناكليس وشدس شرقا وكوبري الناموس والصالحية وأبوسليمان جنوبا ويشتهر الحي بأن به عائلات كبيرة معروفة مثل آل ختال وشاهين وشعوط ويونس والسواحلي وزقيلح ومن أهم الشوارع بحي باكوس شارع مصطفي كامل وهو يخترق الحي من الشرق إلي الغرب وشوارع الإذاعة والعقصة والشجاعة ويخترقونه من الشمال للجنوب ومن الشوارع الرئيسية أيضا بالحي والتي تقطع حي باكوس طولا شارع السوق ويقطعها من الترام حتي كوبري الناموس مرورا بالقطار وشارع سينما ليلي أو سينما الحرية كما يطلق عليها حاليا نسبة لسينما قديمة كانت هناك وكان هذا الشارع في الأصل إسمه شارع القومية العربية ويقطعه من الترام مرورا بشارع مصطفي كامل والقطار إلي شارع 20 وأمام السينما شارع يسمي شارع شلبي ميخائيل وهو من أهم شوارع هذه المنطقة أو كما يسمي حاليا شارع الشيخ عوض ختال العلواني الذي كان يسكن فيه وهو كان كبير عائلات ختال في مصر وليبيا والذي توفي في يوم 18 فبراير عام 1981م ……
ولهذا الرجل الشيخ عوض ختال العلواني قصة طريفة حيث أن ماحدث أنه في أيام حكم الخديوي إسماعيل وكان قد تم إفتتاح قناة السويس للملاحة وكذلك كان قد تم مد مايسمي بخط سكة حديد القاهرة / الإسكندرية في عهد سلفه محمد سعيد باشا مارا بمنطقة سيدي جابرثم تم مد خط منه إلي قصر المنتزة فتم تحويل وتقسيم منطقة شمال خط السكة الحديد هذا أو كما تسمي بحري السكة الحديد إلي منطقة سكنية مأهولة بالسكان ومن أول من قام بتحويل أملاكه الزراعية إلي أراضي سكنية بتلك المنطقة هو الحاج نعمان أحمد نعمان عمارة والملقب بنعمان أبو الدهب وذلك نظرا لشدة ثرائه حيث كان له وكالة لتجارة الخضروات بالحي وهو في الأصل من قلب صعيد مصر وتحديدا من مدينة أخميم بمحافظة سوهاج والذي ينتهي نسبه إلي الإمام أبو حنيفة النعمان وكذا صهره الحاج أحمد محمد حطيبة الذي ينتهي نسبه إلي الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه حيث قام كل منهما ببناء منزل خاص به ملحقا به جرن لتخزين الحبوب وكذا إسطبل صغير لإيواء الخيول والعربات التي كانت بمثابة الركوبة الخاصة بهما والتي كانت تعتبر بمثابة السيارات الحديثة المستخدمة آنذاك ومع التطوربعد ذلك أصبح ليس لتلك المركبات والخيول أى أهمية في الإستخدام فقام كلاهما بتوزيع الأراضي الزائدة عن إحتياجاتهما لبعض الأسر الذين هاجروا من منطقة بحري والأنفوشي والمنشية وجاءوا إلي منطقة باكوس أثناء الحرب العالمية الأولي عام 1914م خلال الفترة حتي عام 1918م كشكل من أشكال التكافل الإجتماعي حيث أن الحاج أحمد حطيبة كان يمتلك وكالة كبيرة لتجارة الأقمشة مكانها حاليا أمام سنترال المنشية حيث كانت هذه المنطقة معرضة لقصف الطائرات والبواخر الحربية وكانت منطقة باكوس بعيدة عن منطقة الساحل وليست من مناطق الحضر وبالتالي ليس بها أهداف حيوية تستدعي قصفها بالطائرات وفي ذلك التوقيت حضر إلي حي باكوس قادما من ليبيا المجاهد الشيخ ختال العلواني والمحكوم عليه غيابيا بالإعدام من قبل المحكمة البريطانية بتهمة محاربة القوات البريطانية في معركة الغزالة وكذلك في معركة وادي ماجد التي حدثت عام 1914م بين القوات البريطانية والقوات العثمانية والمدعمة بالمجاهدين العرب والذي كان وقتها صاع صول أغاسي أي نائب قائد سرية وكذا البكباشي العلواني بك خميس رحيم والملقب بالعلواني بك أبو إسماعيل وهو قائد القوات العربية آنذاك والتي حاربت الجيش البريطاني وقد أطلق بعد ذلك علي شارع رئيسي بمدينة مرسي مطروح إسم المجاهد البطل ختال العلواني وهنا قام الحاج نعمان أبو الدهب بمصادقة المجاهد الشيخ ختال العلواني وأكرم وفادته ومنحه قطعة أرض نظرا لبطولته في جهاده ضد الجيش البريطاني وشهامته وبعد ذلك حدثت المصاهرة بين العائلتين ختال ونعمان حيث رزق ختال بعدد 14 من الذكور منهم قاسم ختال الذي شغل منصب عضو الأمانة المركزية للإتحاد القومي في خمسينيات القرن العشرين الماضي والعمدة ختال عرابي عمدة الضبع والحاج عبد السلام ختال عمدة الطرح وكذا الشيخ عباس العلواني الذى كان صاحب شركة مقاولات والملقب بشاعر البادية أوشاعر الصحراء وقام بتأليف الكثير من الأغاني البدوية وكان المرجع للهجة البدوية في جميع الأفلام والمسلسلات وكذا هاشم ختال وأخيرا كبير العائلة الشيخ عوض ختال الذي شغل منصب نائب رئيس النقابة العامة للعمال وعضو الأمانة المركزية بالإتحاد الإشتراكي العربي في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في ستينيات القرن العشرين الماضي والذى يطلق إسمه علي شارع شلبي ميخائيل المذكور أعلاه ……
ومن معالم حي باكوس يوجد مسجد يسمي مسجد أبو شبانة ويقع قبلي خط الترام وقد أطلق إسمه علي محطة الترام بدلا من باكوس رغم أن الخط ما يزال يحمل رسميا إسم باكوس وقد أسسه الحاج شعبان أبو شبانة عام 1346 هجرية الموافق عام 1928م وحاليا يوجد به جمعية مشهرة تؤدى خدمات إجتماعية وثقافية عديدة لأهالي الحي ويتكون المسجد من طابقين أرضي وعلوى والطابق العلوى هو الطابق الرئيسي لذا لا يمل أئمة المسجد من التنبيه من خلال مكبرات الصوت قبيل إقامة كل صلاة إلي أن الصلاة في الدور العلوى إلا أن الكثيرين من المصلين وخاصة كبار السن يفضلون الصلاة في الدور السفلي بدلا من صعود السلالم وللمسجد مدخلان يؤدى كل منهما إلي طريق مختلف وإن كان كلا الطريقين عبارة عن مجرد ممر وليس شارعا رئيسيا ويعتبر هذا المسجد أحد المساجد القليلة المفتوحة أمام المصلين طوال اليوم نظرا لموقعه وسط السوق وعند ملتقي عدة طرق …..
ومن أهم معالم حي باكوس المميزة له أن به البيت الذي ولد به الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى يوم 15 يناير عام 1918م ويقع فى شارع القنواتى بالحي المذكور بمدينة الإسكندرية وكان جمال هو الابن الأكبر لعبدالناصر حسين الذى ولد فى عام ١٨٨٨م فى قرية بنى مر بمحافظة أسيوط بصعيد مصر والذى عمل موظفاً بمصلحة البريد بالإسكندرية وبعد إنتقال الأسرة من مدينة الإسكندرية باع والده المنزل إلى أسرة الصاوى بمبلغ 3 آلاف جنيه بعد إتمام ولده جمال مرحلة تعليمه الإبتدائية وظل المنزل ملك لهذه الأسرة إلى أن قام الرئيس الراحل أنور السادات بالسعى والبحث عنه لتحويله إلى متحف يضم مقتنيات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بإعتباره مكانا مهما يحمل ذكريات طفولة عبدالناصر وقامت محافظة الإسكندرية بشرائه من مالكه بمبلغ 30 ألف جنيه لتخصيصه كمتحف وبالفعل تقرر تحويله إلى متحف يسمي متحف الزعيم جمال عبد الناصر ولكنه للأسف يعاني حاليا من الإهمال ومعرض للتصدع والإنهيار ويحتاج إلي عمليات ترميم سريعة وتطوير وتدعيم لهيكله البنائي حتي يعود إلي سابق عهده وليكون مزارا من المزارات الهامة بمدينة الإسكندرية ……
ومن المعالم المميزة لحي باكوس أيضا بيت الأستاذ محمد محمود شعبان الملقب ببابا شارو وهو أقدم إذاعي في مصر كما أنه تولي رئاسة الإذاعة المصرية لفترة طويلة من الزمن ومن معالم حى باكوس أيضا الآن أن به أشهر سوق بالإسكندرية لتجارة الخضروات والفاكهة والأسماك والذي يعمل ليلا ونهارا بصفة مستمرة وبالحي أيضا مبني إذاعه وتليفزيون مدينة الإسكندرية كما أن به مسجد نور الإسلام وهو ثاني مسجد للدعوة السلفية بالإسكندرية وحاليا يجري به بعض التعديلات ليتم توسيعه وسوف يلحق به مستوصف ومعهد تعليمي للشريعة الإسلامية ليكون منارة للعلم ويؤم الناس فيه فضيلة الشيخ أحمد حطيبة وهو طبيب أسنان ناجح ويعده كثير من العلماء بمصر وخاصة من علماء الأزهر الشريف الذين إلتقوا به وإستمعوا إليه من أعلم اهل مصر وقد قال عنه أحد العلماء إنه أحق عالم بمصر للتصدر للفتوي وقد قامت وزارة الأوقاف مؤخرا بضم المسجد حتي لايتم إستغلاله في الخلافات والصراعات الحزبية والسياسية والطائفية …..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى